تحولات الميدان السوري السريعة في الفترة الاخيرة لا سيما انجازات الجيش السوري وحلفاؤه في حلب كانت محط انظار العالم ودول الاقليم خاصة تركيا، واسرائيل التي تحاول تحصيل مكتسبات وعدم كسر الموازين على الارض، وفيما تتدخل تركيا شمالا بدعم قوات "درع الفرات" التي أعلنت اليوم بدء الهجوم على مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، بتمهيد من الطيران التركي، بشنّ عدد كبير من الغارات على المدينة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، تدرس اسرائيل تغيرات الميدان السوري بقلق كبير لان اي تغيير في كفّة الانتصارات ستتأثر به سلبا لا محال، وعليه تقوم من فترة لأخرى بغارات وعمليات اثبات حضور وفرض معادلات بظل انشغال الجيش السوري بالحرب الداخلية.
فبعد الغارة الاسرائيلية على منطقة الصبورة بريف دمشق الغربي والتي نفذتها من داخل الاراضي اللبنانية دون خرق المجال السوري، اقدمت منذ يومين على استهداف مطار المزّة العسكري غرب العاصمة دمشق فجر الأربعاء بصواريخ ارض-ارض من مواقعها غرب تل أبو الندى، وبقي الهجومان في خانة الرسائل السياسية بأقل الاضرار الممكنة اذ لم يسقط ضحايا، كما انها لم تدخل المجال الجوي السوري حيث تعمل القوات الجوية الروسية.
حفظ التوازن
الكاتب والمحلل السياسي حسام مطر اشار الى ان هناك احساس لدى الاسرائيلي ان هناك اختلال في ميزان القوى في الحرب السورية، وتأتي الغارات في سياق المحاولة الاسرائيلية للتأكيد ان التوازن لا يزال قائما، وانها مستعدة للتدخل واستعمال القوة عند اي اختلال لصالح المقاومة ولو في سوريا، ولفت الى ان تل ابيب تشن الغارات لرسم خطوط حمر، وتأكيد خطوط الردع ولاستثمار ما يحصل في سوريا ضد المقاومة.
ورأى مطر ان تسريب اسرائيل لخريطة بنك الاهداف على حزب الله في جنوب لبنان عبر اعلامها، يعني القول ان الرد سيكون شاملاً بحال تم الرد عليها من قبل المقاومة، وهو تأكيد على الجهوزية الاسرائيلية لخوض الحرب، واوضح ان الاسرائيلي يقوم بجس نبض واستطلاع بالنار لجهوزيّة الطرف الاخر واستعداداته، لانه يريد اعادة التوازن برسالة للحزب انه لا يستطيع تغيير التوازن بإلانتصار في سوريا.
العميد الركن المتقاعد هشام جابر اعتبر ان اسرائيل تستفيد من وقت لاخر من عدم الرد عليها، لان الجيش السوري منشغل بالحرب الداخلية، ولا تتوتنى على الاعلان ان اهدافها هي صواريخ "حزب الله" او قواعد وقوافل اسلحة، واشار الى ان بنك الاهداف الذي تعلنه اسرائيل هو اعلان نفسي لاستثماره سياسيا بالداخل، للاعلان للجمهور الاسرائيلي ان القيادة العسكرية جاهزة ومتيقظة ومستعدة في الوقت المناسب لضرب حزب الله عدوها الاول في المنطقة، سواء داخل لبنان او في الاراضي السورية، مشددا في الوقت عينه على ان اسرائيل لن تجرؤ على القيام بأي عملية داخل الاراضي اللبنانية، ووضع الاعتداءات الاسرائيلية الاخيرة بإطار الضربات النوعية الاستعراضية السريعة والمحدودة وهي تتوخى منها مكاسب سياسية ونفسية.
القلق الاسرائيلي
حسام مطر اكد ان التحول في الميدان السوري يقلق الاسرائيلي، بالمقابل فإن وصول دونالد ترامب الى الرئاسة الاميركية يتيح لاسرائيل التحرك بحرية اكثر، كما يؤمن لها التغطية في عملياتها العسكرية خاصة بعد عودة مصطلح "الارهاب الاسلامي" لدى الادارة الاميركية.
واوضح مطر ان اسرائيل تريد القول ان لديها قوة ردع جاهزة خاصة وان اسرائيل خائفة من جبهة الجولان لان المقاومة تدعمها، وستعود للتفرغ لها بعد انتهاء الجبهات الشمالية. وشدد على انه في كل مرة يتجاوز الاسرائيلي حدوده يجب ان يتوقع الرد، الّذي تحدده قيادة المقاومة العسكرية والسياسية في المكان والزمان الذي تراه مناسبا.
من جهته، لفت الخبير العسكري هشام جابر إلى ان الحرب النفسية مهمة جدا مثل الحرب الفعلية، واحيانا لا قيمة ميدانية للاعمال العسكرية لان الاهداف تكون نفسية، وفي الحالات الاخيرة رسالة من اسرائيل لحزب الله اننا نعرف مواقعكم وتحركاتكم، ولذلك نشرت اسرائيل بنك الاهداف لها في جنوب لبنان.
ووضع جابر الغارات الاسرائيلية الاخيرة في سوريا في اطار العمليات النفسية الموجهة الى الداخل الاسرائيلي والصديق، مؤكدا ان اسرائيل ليست في وضع جاهز لتلقي صواريخ حزب الله، لانها تعرف متى يطلق اول صاروخ لكنها لا تعلم متى تنتهي الحرب. وسأل على اي اساس سيقصف الاسرائيلي بنك الاهداف الذي نشره في اعلامه، معتبرا ان استهداف جنوب لبنان يعني فتح الجبهة وهي غير مستعدة لذلك.
وفيما تجمع التحليلات على ان العمليات الاسرائيلية في الداخل السوري تتوخى منها تل ابيب اهدافا سياسية اكثر منها عسكرية، تنظر القيادة الاسرائيلية على التطورات السوريّة بحذر شديد، لانها تعرف ان احتمال انتقال الحرب الى الجبهة الجنوبية في الجولان والقنيطرة ليس ببعيد، وان تطهير المنطقة الامنة التي اقامتها بالمجموعات المسلحة من قبل الجيش السوري وحلفائه اصبحت قاب قوسين او ادنى، وان المواجهة المباشرة مع محور المقاومة غير ممكنة في الوقت الراهن. فإن رسائل الردع هي الاولى في المرحلة الراهنة بإنتظار التطورات الميدانية والمفاوضات السياسية.